فصل: ذكر العقبة الأولى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 رجوعه من الطائف

ومن الحوادث‏:‏ أنه لما رجع من الطائف لم يمكنه دخول مكة إلا بجوار وذلك أنه لما دنا من مكة علم أن قومه أشد عليه مما كانوا فأرسل بعض أهل مكة إلى الأخنس بن شريق فقال له‏:‏ ‏"‏ هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالة ربي ‏"‏‏.‏

فقال له الأخنس‏:‏ إن الحليف لا يجير على الصريح‏.‏

قال‏:‏ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال‏:‏ تعود قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فأت سُهَيْل بن عمرو فقل له‏:‏ إن محمدًا يقول لك‏:‏ هل أنت مجيري حتى أبلِّغ رسالات ربي فقال له ذلك فقال‏:‏ إِن بني عامر بن لؤيّ لا تجير على بني كعب‏.‏

فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره‏.‏

قال‏:‏ تعود قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ إئت المطعم بن عدي فقل له‏:‏ إن محمدًا يقول لك‏:‏ هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي قال‏:‏ نعم فليدخل‏.‏

فرجع فأخبره وأصبح المطعم بن عدي قد لبس سلاحه هو وبنوه وبنو أخيه فدخلوا المسجد فلما رآه أبو جهل قال أمجير أم متابع قال‏:‏ بل مجير قال‏:‏ أجرنا مَنْ أجرت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وأقام بها وكان يقف بالموسم على القبائل فيقول‏:‏ ‏"‏ يا بني فلان إني رسولُ الله إليكم يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا ‏"‏ فكان يمشي خلفه أبو لهب فيقول‏:‏ لا تطيعوه‏.‏

وأتى رسول اللهّ كندة في منازلهم فدعاهم إلى الله عز وجل فأبوا وأتى كلبًا في منازلهم فلم يقبلوا منه وأتى بني حَنيفة في منازلهم فردوا عليه أقبح رد وأتى بني عامر بن صعصعة وكان لا يسمع بقادم من العرب له اسم وشرف إِلا دعاه وعرض عليه ما عنده‏.‏

وقال جابر بن عبد اللهّ‏:‏ مكث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومَجَنَة وفي المواسم يقول‏:‏ ‏"‏ مَنْ يؤويني مَنْ ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة ‏"‏ حتى بعثنا الله إليه فأويناه وصدقناه‏.‏

تزويج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها ومن الحوادث في هذه السنة‏:‏ تزويج رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم عائشة وسودة‏.‏

وكانت أخبرنا هبة الله بن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدثنا محمد بن بشير قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمرو قال‏:‏ أخبرنا أبو سلمة ويحيى قالا‏:‏ لما هلكت خديجة رضي الله عنها جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون فقالت‏:‏ يا رسول اللّه ألا تتزوج قال‏:‏ ‏"‏ مَنْ ‏"‏ قالت‏:‏ إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ مَنْ البكر ‏"‏ قالت‏:‏ ابنة أحب خلق الله عز وجل إليك عائشة بنت أبي بكر‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ وَمَنْ الثيب ‏"‏ قالت‏:‏ سودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ فاذهبي فاذكريهما علي ‏"‏‏.‏

فدخلت بيت أبي بكر فقالت‏:‏ يا أم رومان ماذا أدخل اللّه عز وجل عليكم من الخير والبركة قالت‏:‏ وما ذاك‏.‏

قالت‏:‏ أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة‏.‏

قالت‏:‏ انتظري أبا بكر حتى يأتي‏.‏

فجاء أبو بكر فقالت‏:‏ يا أبا بكر ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة قال‏:‏ وما ذاك قالت‏:‏ أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة‏.‏

قال‏:‏ وهل تصلح له إنما هي ابنة أخيه‏.‏

فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ ارجعي إليه فقولي له‏:‏ أنا أخوك وأنت أخي في قالت أم رومان‏:‏ إن مطعم بن عدي كان قد ذكرها على ابنه فوالله ما وعد وعدًا قط فأخلفه تعني أبا بكر‏.‏

فدخل أبو بكر على مطعم بن عدي وعنده امرأته أم الفتى فقالت‏:‏ يا ابن أبي قحافة لعلك مُصْبي صاحبنا ومدخله في دينك الذي أنت عليه أن تزوج إليك‏.‏

قال أبو بكر للمطعم بن عدي‏:‏ أبقَوْل هذه تقول قال‏:‏ إنها تقول ذلك فخرج من عنده وقد أذهب الله عز وجل ما كان في نفسه من عدته التي وعده فرجع فقال لخول‏:‏ ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعته فزوجها إياه وعائشة يومئذٍ بنت ست سنين‏.‏

ثم خرجت فدخلت على سودة بنت زمعة وقالت‏:‏ ماذا أدخل الله عز وجل عليك من الخير والبركة قالت‏:‏ وما ذاك قالت‏:‏ أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبك عليه‏.‏

قالت‏:‏ ودِدت ادخلي إلى أبي فاذكري ذلك له وكان شيخًا كبيرًا قد أدركه السن‏.‏

قد تخلف عن الحج فدخلت عليه فحيته بتحية الجاهلية فقال‏:‏ مَنْ هذه قالت‏:‏ خولة بنت حكيم‏.‏

قال‏:‏ فما شأنك قالت‏:‏ أرسلني محمد بن عبد الله أخطب عليه سودة‏.‏

قال‏:‏ كفؤ كريم ماذا تقول صاحبتك قالت‏:‏ تحب ذلك‏.‏

قال‏:‏ ادعيها لي‏.‏

فدعوتها فقال‏:‏ يا بنية إن هذه تزعم أن محمدًا بن عبد الله بن عبد المطلب قد أرسل يخطبك وهو كفؤ كريم أتحبين أن أزوجكه ذكر مَنْ توفي في هذه السنة من الأكابر خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وتكنى أم هند أخبرنا يحيى بن علي بن المدبر قال‏:‏ أخبرنا أبو منصور بن عبد العزيز العكبري قال‏:‏ أخبرنا أبو أحمد‏:‏ عبيد الله بن محمد القرشي قال‏:‏ حدثنا جعفر بن محمد الكالدي قال‏:‏ حدثني محمد بن أحمد السجستاني قال‏:‏ أخبرنا عمرو بن إسماعيل بن مجالد قال‏:‏ أخبرني أبي عن مجالد عن الشعبي عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن عليها الثناء فذكرها يومًا من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت‏:‏ هل كانت إلا عجوزًا قد أخلف الله لك خيرًا منها‏.‏

قالت‏:‏ فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ثم قال‏:‏ ‏"‏ لا والله ما أخلف الله لي خيرًا منها لقد آمنت إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني ورزقني الله أولادها إذ حرمني أولاد النساء ‏"‏‏.‏

قالت‏:‏ فقلت‏:‏ بيني وبين أنفسي‏:‏ لا أذكرها بسوء أبدًا‏.‏

أنبأنا يحيى بن الحسين البنا قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان الألوسي قال‏:‏ حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني محمد بن حسن عن علي بن المغيرة عن ابن أبي داوود قال‏:‏ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة بنت خويلد وهي في مرضها الذي توفيت فيه فقال لها‏:‏ ‏"‏ يا لكره مني ما أرى منك يا خديجة وقد يجعل الله في الكره خيرًا كثيرًا أما علمت أن الله قد زوجني معك في الجنة مريم ابنة عمران وكلثم أخت موسى وآسيا امرأة فرعون ‏"‏‏.‏

قالت‏:‏ وقد فعل الله ذلك يا رسول الله قال‏:‏ ‏"‏ نعم ‏"‏ قالت‏:‏ بالرُفاء والبنين‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ توفيت خديجة في هذه السنة وهي بنت خمس وستين‏.‏

ودفنت بالحجون ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرتها ولم يكن يومئذ سُنّة الجنازة الصلاة عليها‏.‏

السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود‏:‏ أسلم قديمًا بمكة وهاجر إلى الحبشة ومعه امرأته سودة بنت زمعة فمات في هذه السنة بأرض الحبشة‏.‏

عبد مناف أبو طالب‏:‏ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبق ذكره‏.‏

 ذكر الحوادث سنة إحدى عشرة من النبوة

 بدء إسلام الأنصار

مِن ذلك‏:‏ خرَج رسول الله صلى الله عليه وسلم في المَوْسم يعرض نفسه على القبائل كما كان يصنع في كَل مَوْسم فبينا هو عند العقبة لَقِي رهطًا من الخزرج فقال‏:‏ ‏"‏ مَنْ أنتم ‏"‏ قالوا‏:‏ من الخزرج‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ أفلا تجلسون أكلمكم ‏"‏‏.‏

قالوا‏:‏ بلى‏.‏

فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عز وجل وعَرَض عليهم الإسلامَ وتلى عليهم القرآن وكان أولئك يسمعون من اليهود أنه قد أظل زمان نبيٍّ يبعثُ فلما كلمهم قال بعضهم لبعض‏:‏ والله إنه النبي الذي يعدكم به يهود فلا تسبُقنكم إليه‏.‏

فأجابوه وانصرفوا راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وكانوا سِتةً وهم‏:‏ أسعدُ بن زُرارة وعوفُ بن الحارث - وهو ابن عَفْراء - ورافعُ بن مالك بن العجلان وقُطْبهُ بن عامر بن حَديدة وعقبة بن عامر بن نابي وجابر بن عبد الله فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكَروا لهم رسول الله ودعوهم إلى الإسلام حتى أفشا فيهم فلم تبقَ دارٌ من دور الأنصار إِلا وفيها ذكرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وروى أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري قال‏:‏ أخبرنا أبو العسكري قال‏:‏ أخبرنا صالح بن أحمد بن أبي مقاتل البغدادي قال‏:‏ أخبرنا عبد الجبار بن كثير بن سيار التميمي قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن بشران الصنعاني أخبرنا أبان بن عبد الله البجلي عن إبان بن ثعلب عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ حدثنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال‏:‏ لما أمر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر حتى دفعنا إلى مجلسٍ من مجالس العرب فتقدم أبو بكر فسلم ووقفت أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال علي‏:‏ وكان أبو بكر مقدمًا في كل خير وكان رجلًا نسابة فقال‏:‏ ممن القوم قالوا‏:‏ من ربيعة‏.‏

قال‏:‏ وأي ربيعة أنتم قالوا‏:‏ ذُهل الأكبر‏.‏

قال أبو بكر‏:‏ هامتها أو مِن لهازمها قالوا‏:‏ بل من هامتها العظمى‏.‏

قال‏:‏ فمنكم عوف الذي يقال له لا حُر بوادي عوف قالوا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فمنكم بسطام بن قيس أبو اللواء ومنتهى الأحياء قالوا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار ومانع الجار قالوا لا قال‏:‏ فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفُسَهَا قالوا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فمنكم أخوال الملوك من كِنْدة قالوا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فمنكم أصهار الملوك من لخم قالوا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فلستم من ذهل الأكبر أنتم من ذهل الأصغر‏.‏

فقام إليه غلام من بني شيبان يقال له‏:‏ فيَ دغْفَل حين بقل عارضه فقال‏:‏ إن على سائلنا أن نسأله والعَبْولا تعرفه أو تحمله يا هذا إنك قد سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئًا فممَنْ الرجل فقال أبو بكو‏:‏ من قريش‏.‏

فقال الفتى‏:‏ بَخ بَخ أهل الشرف والرياسة فمن أي قريش أنت قال‏:‏ من ولد تيم بن مرة‏.‏

فقال الفتى‏:‏ أمكنت والله الرامي من سواء النقرة فمنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر فكان يدعى في قريش مجمعًا‏.‏

قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فمنكم هاشم الذي هشم الثريد لقومه فقيل فيه‏:‏ بيت عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء الذي كان وجهه يضيء في الليلة الظلماء‏.‏

قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ أفمن الندوة أنت قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ أفمن أهل الحجابة أنت قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فمن أهل السقاية أنت قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فمن أهل الإفاضة بالناس أنت قال‏:‏ لا‏.‏

وزاد غيره‏:‏ قال‏:‏ فأنت إذًا من زمعات قريش‏.‏

قال‏:‏ فاجتذب أبو بكر زمام الناقة ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الغلام‏:‏ أما والله لوثبت‏.‏

فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال علي رضي الله عنه‏:‏ فقلت‏:‏ يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة قال‏:‏ أجل يا أبا الحسن ما من طامة إِلا وفوقها طامة والبلاء مُوَكل بالمنطق‏.‏

قال‏:‏ فدُفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار فتقدم أبو بكر فسلم ودنا فقال‏:‏ مَمنْ القوم قالوا‏:‏ من شيبان بن ثعلبة‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله ما وراء هؤلاء من قومهم شيء هؤلاء غرر الناس وفيهم مفروق بن عمرو وهانئ بن قبيصة والمثنى بن حارثة والنعمان بن شريك‏.‏

قال أبو بكر‏:‏ كيف العدد فيكم قال مفروق‏:‏ إنا لنزيد على ألفٍ ولن تغلب ألفٌ من قلة‏.‏

فقال أبو بكر‏:‏ فكيف المنعة فيكم قال‏:‏ علينا الجهد ولكل قوم جهد‏.‏

قال‏:‏ كيف الحرب بينكم قال‏:‏ إنا لأشد ما نكون غضبًا حين نلقى وأشد ما نكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من الله عز وجل يُديلنا مرةً ويديل علينا أخرى لعلك أخو قريش‏.‏

قال أبو بكر رضي الله عنه‏:‏ وقد بلغكم أنه رسول الله فها هوذا‏.‏

قال مفروق‏:‏ بلغنا أنه يذكر ذلك فإلى ما يدعو يا أخا قريش فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكر يظله بثوبه فقال‏:‏ ‏"‏ أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله وإلى تؤوني وتنصروني فإن قريشًا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسله وامتنعت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد‏.‏

فقال مفروق‏:‏ وإلى ما تدعونا أيضًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏قُلْ تَعَالَوْا أتْلُ مَا حرمَ رَبُكُمْ عَلَيْكُمْ ألا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا‏}‏ الآية‏.‏

فقال مفروق‏:‏ إلى ما تدعونا أيضًا فوالله ما سمعت كلامًا هو أجمل من هذا ولو كان من كلام أهل الأرض لفهمناه‏.‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إِن اللَهَ يَأمُرُ بِالْعَدْل وَالإحسَانِ‏}‏ الآية‏.‏

فقال مفروق‏:‏ دعوت واللهّ إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفِكَ قوم كذبوك وظاهروا عليك وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا‏.‏

فقال ابن قبيصةُ‏:‏ قد سمعت مقالتك يا أخا قريش وإني أرى تركنا ديننا واتباعنا إياك ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظرُ وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا‏.‏

فقال المثنى‏:‏ قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب جوابُ هانئ بن قبيصة وإنا إنما نزلنا بين صَرْيَيِّ اليمامة‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ وما هاَتان الصريان ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ مياه العرب ما كان منها مما يلي أنهار كسرى فَذَنبُ صَاحِبهِ غير مغفور وعذره غير مقبول وإنما نزلنا على عهد أخذه كسرى علينا أن لا نحدث حدثًا ولا نؤوي مُحدثًا فأنا أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه تكرهه الملوك فإن شئت نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق وإذ دين الله تعالى لن ينصره إلا مَنْ أحاطه من جميع جوانبه أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلًا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه ‏"‏‏.‏

فقال النعمان بن شريك‏:‏ اللهم لك ذلك‏.‏

فتلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إنا أرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللهِ بِإذْنه وَسِرَاجًا منِيرًا‏}‏‏.‏

ثم نهض قابضًا على يد أبي بكر وهو يقول‏:‏ ‏"‏ أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها يدفع الله بها بأس بعضهم عن بعض وبها يتحاجزون فيما بينهم ‏"‏‏.‏

ذكر الحوادث في سنة اثنتي عشرة من النبوة الإسراء والمعراج فمن ذلك‏:‏ المعراج‏.‏

قال الواقدي‏:‏ كان المَسْرَى في ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان في السنة الثانية عشرة من النبوة قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا‏.‏

وروي عن أشياخ أخر قالوا‏:‏ أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبعة عشر من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة‏.‏

وقال مؤلف الكتاب‏:‏ ويقال إنه كان ليلة سبع وعشرين من رجب‏.‏

أخبرنا هبة الله بن محمد قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي التميمي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ أخبرنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدثنا عفان قال‏:‏ أخبرنا همام بن يحيى قال‏:‏ سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك‏:‏ أن مالك بن صعصعة حدثه‏:‏ أن نبي اللّه صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسرِي به قال‏:‏ ‏"‏ بينما أنا في الحَطِيم - وربما قال قتادة‏:‏ في الحجر - مضطجع إذ أتاني آتٍ فجعل يقول لصاحبه‏:‏ الأوسط بين الثلاثة‏.‏

قال‏:‏ فأتاني فقدَّ - وسمعت قال قتادة‏:‏ فقلت للجارود وهو إلى جنبي‏:‏ ما يعني قال‏:‏ من ثغرة نَحْره إلى شعرته‏.‏

وقد سمعته يقول‏:‏ من قصته إلى شعرته‏.‏

قال‏:‏ فاستخرج قلبي قال‏:‏ ‏"‏ فأتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانًا وحكمة فغسل قلبي ثم حُشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض‏.‏

قال‏:‏ فقال للجارود‏:‏ أهو البراق يا أبا حمزة قال‏:‏ نعم يقع خطوُه عند أقصى طرفِهِ‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ فحُمِلت عليه فانطلق بي جبريل عليه السلام حتى أتى بي إلى السماء الدنيا فاستفتح فقيل‏:‏ مَنْ هذا قال‏:‏ جبريل‏.‏

قيل‏:‏ ومَنْ معك قال‏:‏ محمدٌ‏.‏

قيل‏:‏ أوقد أرسل إليه قال‏:‏ نعم‏.‏

فقيل‏:‏ مرحبًا به ونعم المجيء جاء‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ ففتح لنا فلما خلصت فإذا فيها آدم عليه السلام‏.‏

فقال‏:‏ هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام وقال‏:‏ مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح‏.‏

ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فقيل له‏:‏ من هذا قال‏:‏ جبريل‏.‏

قيل‏:‏ ومَنْ معك قال‏:‏ محمد قيل‏:‏ أوقد أرسل إليه قال‏:‏ نعم‏.‏

قيل‏:‏ مرحبًا به ونعم المجيء جاء قال‏:‏ ففتح‏.‏

قال‏:‏ فلما خلصت فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة فقال‏:‏ هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما‏.‏

قال‏:‏ فسلمت عليهما فردا السلام ثم قالا‏:‏ مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح‏.‏

ثم صعد حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح فقيل‏:‏ مَنْ هذا قال‏:‏ جبريل‏.‏

قيل‏:‏ ومَنْ معك قال‏:‏ محمد‏.‏

قيل‏:‏ أوقد أرسل إليه قال‏:‏ نعم‏.‏

قيل‏:‏ مرحبًا به ونعم المجيء جاء ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ ففتح فلما خلصت إذا يوسف‏.‏

قال‏:‏ هذا يوسف فسلم عليه‏.‏

فسلمت عليِه فرد السلام ثم قال‏:‏ مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح‏.‏

فقيل‏:‏ مَنْ هذا قال‏:‏ جبريل‏.‏

قيل‏:‏ ومن معك قال‏:‏ محمد‏.‏

قيل‏:‏ أوقد أرسل إليه قال‏:‏ نعم‏.‏

قيل‏:‏ مرحبًا به ونعم المجيء جاء‏.‏

قال‏:‏ ففتح فلما خلصت إذا إدريس قال هذا إدريس فسلم عليه‏.‏

فسلمت عليه فرد السلام قال‏:‏ مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح فقيل‏:‏ مَنْ هذا قال‏:‏ جبريل‏.‏

قيل‏:‏ ومَنْ معك قال‏:‏ محمد‏.‏

قيل أوقد أرسل إليه قال‏:‏ نعم‏.‏

قيل مرحبًا به ونعم المجيء جاء ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ ففتح فلما خلصت فإذا هارون قال‏:‏ هذا هارون فسلم عليه قال‏:‏ فسلمت عليه فرد السلام وقال‏:‏ مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ ثم صعد حتى أتى إلى السماء السادسة فاستفتح‏.‏

قيل‏:‏ مَنْ هذا قال‏:‏ جبريل‏.‏

قيل‏:‏ ومن معك قال‏:‏ محمد قيل أوقد أرسل إليه قال‏:‏ نعم‏.‏

قيل‏:‏ مرحبًا به ونعم المجيء جاء ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ففتح فلما خلصت فإذا أنا بموسى‏.‏

قال‏:‏ هذا موسى فسلم عليه‏.‏

فسلمت عليه فرد السلام ثم قال‏:‏ مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ فلما تجاوزت بكى فقيل له‏:‏ ما يبكيك قال أبكي لأن غلامًا بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها أمتي‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ ثم صعد حتى أتى إلى السماء سابعة فاستفتح‏.‏

فقيل‏:‏ مَنْ هَذا قال‏:‏ جبريل‏.‏

قيل‏:‏ وَمَنْ معك قال‏:‏ محمد‏.‏

قيل أوقد أرسل إليه قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ مرحبًا به ونعم المجيء جاء‏.‏

قال‏:‏ ففتح فلما خصلت فإذا إبراهيم‏.‏

فقال‏:‏ هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه‏.‏

قال‏:‏ فسلمت عليه فرد السلام ثم قال‏:‏ مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة‏.‏

فقال‏:‏ هذه سدرة المنتهى‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ وإذا أربعة أنهار‏:‏ نهران بأطنان ونهران ظاهران‏.‏

فقلت‏:‏ ما هذا يا جبريل ‏"‏ قال‏:‏ أما الباطنان‏:‏ فنهران في الجنة وأما الظاهران‏:‏ فالنيل والفرات‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ ثم رفع إلى البيت المعمور ‏"‏‏.‏

قال قتادة‏:‏ وحدثنا الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه رأى البيت ثم رجع إلى حديث أنس قال‏:‏ ثم أتيت بإناء من خمرٍ وإناء من لبن وإناء من عسل‏!‏ قال‏:‏ فأخذت اللبن‏.‏

قال‏:‏ هذه الفطرة أنت عليها وأمتك‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ فرجعت فمررت على موسى فقال‏:‏ بِمَ أمرتَ قلت‏:‏ أمرت بخمسين صلاة كل يوم وليلة‏.‏

فقال‏:‏ إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني قد خبرتُ الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ فرجعت فوضع عني عشرًا فرجعت إلى موسى فقال‏:‏ بِمَ أمرت قلت‏:‏ أمرت بأربعين صلاة كل يوم‏.‏

قال‏:‏ إن أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم فإني جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك قال‏:‏ ‏"‏ فرجعت فوضع عني عشرًا أخر فرجعت إلى موسى فقال‏:‏ بِمَ أمرت قلت‏:‏ بثلاثين صلاة كل يوم‏.‏

قال‏:‏ إن أمتك لا تستطيع لثلاثين صلاة كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ فرجعت فوضع عني عشرًا أخر فرجعت إلى موسى فقال‏:‏ بِمَ أمرت قلت‏:‏ أمرت بعشرين صلاة كل يوم‏.‏

فقال‏:‏ إن أمتك لا تستطيع لعشرين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال‏:‏ بِمَ أمرت قلت‏:‏ بعشر صلوات كل يوم‏.‏

فقال‏:‏ إن أمتك لا تستطيع لعشر صلوات كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك عز وجل فسله التخفيف لأمتك ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال‏:‏ إن أمتك لا تستطيع لخمس صلوات كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ قد سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم‏.‏

فلما نفذت نادى منادٍ‏:‏ قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ‏"‏‏.‏

أخرجاه في الصحيحين‏.‏

وبالإسناد قال أحمد‏:‏ وأخبرنا محمد بن جعفر قال‏:‏ أخبرنا عوف عن زُرَارَة بن أوفى عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لما كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكة فظِعْت بأمري وعرفت أن الناس مُكَذَبي ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فقعد معتزلًا حزينًا فمر به أبو جهل فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزئ‏:‏ هل كان من شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ نعم ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وما هو قال‏:‏ ‏"‏ إني أسري بي الليلة ‏"‏ قال‏:‏ إلى أين‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ إلى بيت المقدس ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ثم أصبحت بين ظَهْرَانَيْنَا‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ نعم ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فلم يُرِ أن يُكذَبه مَخَافَةَ أن يَجْحَدَ الحديثَ إن دعى قومه إليه‏.‏

قال‏:‏ أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم ما حدثتني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ نعم ‏"‏‏.‏

فقال‏:‏ يا معشر بني كعب بن لؤي‏.‏

حتى انتفضت إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما‏.‏

قال‏:‏ حدث قومكَ بما حدثتني‏.‏

قالوا‏:‏ إلى أين قال‏:‏ ‏"‏ إلى بيت المقدس ‏"‏‏.‏

قالوا‏:‏ ثم أصبحت بين ظَهْرَانَيْنَا‏!‏ قال‏:‏ ‏"‏ نعم ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فمن بين مُصَفقٍ وواضع يده على رأسه متعجبًا للكذب زَعَم‏.‏

قالوا‏:‏ أو تستطيع أن تنعت لنا المسجدَ - وفي القوم مَنْ قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فذهبت أنعت فما زلت أنعتُ حتى التبس علي بعضُ النعتِ ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وُضِعَ دُون دارِ عُقَيْل - أو عِقَال - فنعتُّه وأنا أنظر إليه ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وكان مع هذا نعت لم أحفظه فقال قوم‏:‏ أما النعُت فواللّه لقد أصاب‏.‏

 ذكر العقبة الأولى

ومن الحوادث في هذه السنة‏:‏ عشر رجلًا فلقوه بالعقبة وهم‏:‏ أسعدُ بن زرارة وعوف ومعوذ ابنا الحارث بن رفاعة ورافع بن مالك بن العجلان وذكوان بن عبد قَيْس بن خَلَدة وعُبادة بن الصامت ويزيد بن ثعلبة بن خَزَمة وعباس بن عُبادة بن نَضَلة وعقبهً بن عامر بن نابئ وقُطْبة بن عامر بن حَديدة وأبو الهيثم بن التَيهان واسمه‏:‏ مالك وعُوَيم بن ساعدة‏.‏

فبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فروى عبادة بن الصامت قال‏:‏ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى ونحن اثنا عشر رجلًا أنا أحدهم فبايعناه على بَيْعة النساء على أن لا نشرك بالله شيئًا ولا نَسْرق ولا نَزْني‏.‏

ولا نقتل أولادنا ولا نأتَي ببهتان نَفْتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف وذلك قبل أن تُفْرَضَ الحربُ‏.‏

قال‏:‏ فإن وَفَيتم بذلك فلكم الجنة وإن غَشيتم شيئًا فأمركم إلى الله إن شاء غَفَر وإن شاء عذب‏.‏

فلما انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معهم مُصعب بن عُمير إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن فنزل على أسعد بن زرارة - وكان يُسمى بالمدينة‏:‏ المقرئَ - فقال سعد بن معاذ يومًا السيد بن جدير‏:‏ ائت أسعد بن زرارة فازجره عنَا فإنه قد بلغني أنه قد فذهب أسَيْد بن حُضير إلى أسعد وقال‏:‏ ما لنا ومالك تأتينا بهذا الرجل الغريب يسفه ضعفاءنا‏.‏

فقال‏:‏ أو تجلسُ فتسمع فإن رضيتَ أمرًا قبلته وإن كرهته كُف عنك ما تكره فقال‏:‏ أنصفتم‏.‏

فجلس فكلَّمه مصعب وعرض عليه الإسلام وتلى عليه القرآن فقال‏:‏ ما أحسن هذا وأجمله كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين قالا له‏:‏ تتطهر وتطهر ثيابك وتشهد بشهادة الحق‏.‏

ففعل وخرج وجاء سعد بن معاذ فعرض عليه مصعب الإسلام فأسلم ثم جاء حتى وقف على بني عبد الأشهل فقال‏:‏ أي رجل تعلمونني قالوا‏:‏ نعلمك والله خيرنا وأفضلنا قال‏:‏ فإنَ كلامَ نسائكم ورجالِكم علي حرامٌ حتى تؤمنوا باللّه وحده وتصدقوا محمدًا‏.‏

فوالله أمسى في دار بني عَبْدِ الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلمًا ولم يزل مصعب يدعو الناس إلى الإسلام حتى كثر المسلمون وشاع الإسلام ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة قبل بيعة العقبة الثانية‏.‏

 ذكر الحوادث التي كانت في سنة ثلاث عشرة من النبوة

من ذلك‏:‏

 ذكر العقبة الثانية

خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الموسم فلقيه جماعة من الأنصار فواعدوه بالعقبة من أوسط أيام التشريق فاجتمعوا فبايعوه‏.‏

قال كعب بن مالك‏:‏ خرجنا في حُجاج قومنا حتى قَدِمنا مكة وواعَدْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعَقَبة من أوسط أيام التشريق فلما فرغنا إلى الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حزام‏:‏ أبو جابر وكنا نكتم مَنْ معنا من المشركين من قومنا أمَرنا فقلنا‏:‏ يا أبا جابرة إنك سيد من ساداتنا وشريفٌ من أشرافنا وإِنَا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حَطبًا للنار غدًا‏.‏

ثم دَعَوْناه إلى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة فأسلم وشهد معنا العَقبة‏.‏

وكان نقيبًا فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رِحالنا حتى إذا مضَى ثلثُ الليل خَرجْنَا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نَتَسلَلُ تَسَلل القَطا حتى اجتمعنا في الشعْب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلًا ومعنا امرأتان من نسائنا‏:‏ نُسَيبة بنت كعب أم عمارة وأسماء بنت عمرو بن عدي وهي‏:‏ أم منيع فاجتمعا بالشِّعب نَنتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له‏.‏

فلما جلس كان أول مَنْ تكلم العباس فقال‏:‏ يا معشر الخزرج - وكانت العرب إنما يسمُّون هذا الحيَّ من الأنصار‏:‏ الخزرج خزرجها وأوسها - إن محمدًا منَا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممَنْ هو على مثل رأينا فيه وهو في عز من قومه ومَنعةٍ في بلده وإنه قد أبى إلا الانقطاع إليكم واللحوق بكم فإن كنتم تَرَوْن أنكم وافُون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممَنْ خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك وإن كنتمِ ترون أنكم مُسْلموه وخاذِلوه بعد الخروج إليكم فمِن الآن فدَعُوه فإنه في عزٍّ ومَنعةٍ مِن قومه وبلده‏.‏

قال‏:‏ فقلنا‏:‏ إِنَا قد سَمِعنا ما قلت‏:‏ فتكلمْ يا رسول الله وخُذْ لنفسك وربك ما أحببتَ‏.‏

قال‏:‏ فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعى إلى الله تبارك وتعالى ورَغب في الإسلام ثم قال‏:‏ ‏"‏ أبايعكم على أن تَمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال‏:‏ والذي بعثك بالحق لنمنعنَك مما نمنع منه أزرَنَا فبايعْنَا يا رسول الله فنحن والله أهل الحرب وأهل الحَلْقة ورثناها كابرًا عن كابرٍ‏.‏

قال‏:‏ فاعترض القولَ والبَراءُ يكلَم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الهيثم بن التيِّهَان فقال‏:‏ يا رسول الله إن بيننا وبين الناس حبالًا ونحن قاطعوها - يعني‏:‏ اليهود - فهل عسيتَ إن نحن فَعَلْنا ذلك ثم أظهرك اللهُ أن ترجع إلى قومك وتدَعنا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال‏:‏ ‏"‏ بل الدم الدم والهَدْم الهَدْم أنتم مني وأنا منكم أحارب مَنْ حاربتم وأسالم مَنْ سالمتم ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ أخرجوا إِليَ اثني عشر نقيبًا يكونون على قومهم ‏"‏‏.‏

فأخرجوا اثني عشر نقيبًا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ فحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزام‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ للنقباء‏:‏ ‏"‏ أنتم على قومكم بما فيهم كُفَلاء كَكَفالة الحوارييًن لعيسى بن مَرْيم وأنا كفيل على قومي ‏"‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة‏:‏ أن القوم لما اجتمعوا لبَيْعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عُبادة بن نَضْلة‏:‏ يا معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ إنكم تبايعونه على حَرْبِ الأحمر والأسود من الناس فإن كنتم ترون أنكم إذا نُهكَتْ أموالُكم مصيبة وأشرافكم قتلًا أسْلَمتموه فمن الآن فهو والله خزْي الدنيا والآخرة إن فعلتم وإن كنتم تَروْن أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نَهْكة الأموال وقَتْل الأشراف فخذُوه فهو والله خيرُ الدنيا والآخرة‏.‏

قالوا‏:‏ فإِنَا نأخُذه على مُصيبة الأموال وقَتْل الأشراف فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن فأما عاصم بن عمر بن قتادة فقال‏:‏ والله ما قال العباس ذلك إلا ليَشدَّ بالعقدِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أعناقهم‏.‏

وأما عبد الله بن أبي بكر فقال‏:‏ والله ما قال العباس ذلك إلا ليؤخَر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبيّ بن سلَول فيكون أقوى لأمر القوم‏.‏

والله يعلم أي ذلك كان‏.‏

فبنُو النخار يزعُمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أوَل من ضرب على يَديه وبنو عبد الأشهل يقولون‏:‏ بل أبو الهَيْثم بن التَيَهان‏.‏

وقال كعب بن مالك‏:‏ كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البَراءُ بن مَعْرور ثم بايع القوم‏.‏

فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العَقَبة بأنفذ صوت سمعتُه قطُّ‏:‏ يا أهل الجَباجب هل لكم في مُذَمَم والصباة معه قد اجتمعوا على حَرْبكم‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ما يقول عدو الله هذا أزبّ العقبة اسمع أي عدو اللهّ أما واللّه لأفرغَنّ لك ‏"‏‏.‏

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ارفضًوا إِلى رحالكم ‏"‏ فقال له العباس بن عبادة بن نضلة‏:‏ والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن غدًا على أهل مِنَىَ بأسْيافنا‏.‏

فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا فلما أصبحنا غدت علينا جِلة قُرَيش حتى جاؤونا في مَنازلنا فقالوا‏:‏ يا معشر الخَزْرج إِنَا قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتُبايعونه على حَرْبنا وإنه والله ما مِن حيّ أبْغَضَ إلينا أن تَنشَب الحرب بيننا وبينهم منكم‏.‏

قال‏:‏ فانبعث مَنْ هناك من مُشْركي قَوْمنا يَحْلفون لهم بالله ما كان من هذا شيء وما عَلِمْنَاه‏.‏

قال‏:‏ وصدَقوا لم يَعْلَموا‏.‏

قال‏:‏ وبعضُنا ينظر إلى بعضٍ‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني عبد اللهّ بن أبي بكر بن حرام‏:‏ أن قريشًَا أتوا عبد الله بن أبي بن سَلول وذكروا له ما قد سمعوا من أصحابه فقال‏:‏ إن هذا الأمر جَسيم وما كان قومي ليتفوتوا علي بمثل ذلك وما علِمته‏.‏

فانصرفوا عنه‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن أحمد بن الحسين قال‏:‏ أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم قال‏:‏ حدثني جدي محمد بن عبد الكريم قال‏:‏ أخبرنا الهيثم بن عدي قال‏:‏ أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال‏:‏ تفاخرت الأوس والخزرج فقال الأوس‏.‏

منا أربعة ليس فيكم مثلهم‏:‏ منا مَنْ اهتز عرش الرحمن لموته‏:‏ سعد بن معاذ ومنا غسيل الملائكة‏:‏ حنظلة بن أبي عامر ومنا مَنْ حمت لحمه الدبر‏:‏ عاصم بن أبي ثابت ومنا من جعلت شهادته شهادة رجلين‏:‏ خزيمة بن ثابت‏.‏

فقالت الخزرج‏:‏ منا أربعة كلهم جمع كتاب الله الذي ارتضاه لنفسه وأنزله على نبيه ولم يجمعه رجل منكم‏:‏ أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو الدرداء‏.‏

 ذكر أهل العقبة وهي العقبة الثانية

قال مؤلف الكتاب‏:‏ ذكرتهم على حروف المعجم‏:‏ أبي بن كعب أسعد بن زرارة أسيد بن حُضير أوس بن ثابت أوس بن يزيد البراء بن معرور بشير بن البراء بشير بن سعد أبو النعمان بهز بن الهيثم ثابت بن الجذْع ثعلبة بن عبد ثعلبة بن غنمة جابر بن عبد الله بن عمرو جُبار بن صخر الحارث بن قيس خالد بن زيد أبو أيوب خالد بن عمرو بن أبي بن كعب خالد بن عمرو بن عدي‏.‏

شهد العقبة في قول الواقدي وحده‏.‏

خالد بن قيط بن مالك ولم يذكره أبو معشر وابن عقبة‏.‏

خارجه بن زيد خديج بن سالم خديج بن سلامة خلاد بن سويد ذكوان بن عبد قيس رافع بن مالك رفاعة بن رافع رفاعة بن المنذر رفاعة بن عمرو زياد بن لبيد زياد بن سهيل أبو طلحة سعد بن زيد الأشهلي ذكره الواقدي وحده سعد بن خيثمة سعد بن الربيع سعد بن عبادة سلمة بن سلامة سليم بن عمرو سنان بن صَيفي سهل بن عتيك شمر بن سعد صَيْفي بن سَواد الضحاك بن حارثة الضحاك بن زيد الطفيل بن النعمان الطفيل بن مالك عُبادة بن الصامت عباد بن قيس العباس بن عبادة عبدُ الله بن أنيس عبد الله بن جبير عبد الله بن الربيع عبد الله بن رواحة عبد الله بن زيد عبد الله بن عمرو بن حزام عبس بن عامر عبيد بن التيهان وبعضهم يقول‏:‏ عتيك عقبة بن عمرو أبو مسعود عقبة بن وهب عمارة بن حزم عمرو بن الحارث عمرو بن غزية عمرو بن عمير عمير بن الحارث عوف بن الحارث ويعرف بابن عفراء عويمر بن ساعدة فروة بن عمرو بن ودقة قتادة بن النعمان ولم يذكره ابن إِسحاق قطبة بن عامر بن حديدة قيس بن عامر قيس بن صَعْصَعة كعب بن عمرو كعب بن مالك مالك بن التيهان أبو الهيثم مالك بن عبد الله بن خثيم مسعود بن يزيد معاذُ بن جبل معاذ بن عفراء معاذُ بن عمرو بن الجَموح معقل بن المُنْذر معن بن عدي مسعود بن الحارث بن عفراء ذكره ابن إسحاق وحده‏.‏

المنذر بن عمرو النعمان بن حارثة‏.‏

النعمان بن عمرو ذكره ابن إسحاق وحده‏.‏

هانئ بن نِيار يزيد بن ثعلبة يزيد بن جذام ولم يذكره ابن عقبة والواقدي يزيد بن عامر بن حديدة يزيد بن المنذر أبو يسار بن صيفي أبو عبد الرحمن بن يزيد وشهدها امرأتان‏:‏ نسيبة بنت كعب وأسماء بنت عمرو بن عدي‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وقد ذكرناهما في حديث كعب بن مالك‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ لُسيبة - باللام - وأختها ابنتا كعب‏.‏

قال‏:‏ وإنما شهدها سبعون رجلًا وهاتان الإمرأتان‏.‏

قال‏:‏ وحدثني عبد الله بن أبي بكر قال‏:‏ ونَفَر الناسُ من مِنَىَ فتبطن القوم الخبر فوجدوه قد كان فخرجوا في طلب القوم فأدركوا سَعْد بن عُبادة بالحاجر والمنذر بن عمرو وكلاهما كان نقيبًا وأما المنذر فأعجزَ القومَ وأما سَعد فأخَذوه ورَبطوا يَدَيْه إلى عُنقهِ بِنِسْع رحلِهِ ثم أقْبَلوا به حتى أدْخلوه مكَة يَضْربونه وَيجْذِبونه بجمَته وكان ذا شعرٍ كثير‏.‏

قال سعد‏:‏ فوالله إني لفي أيْديهم إذ طَلع علي نَفرٌ من قُرَيش فيهم رجل أبيضُ وَضِيء شَعْشَاع حُلو من الرجال‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ إِنْ يكن عند أحدٍ من القوم خَير فعند هذا فلما دنا مني رفع يدَه فَلَكمَني لكمةً شديدة‏.‏

قال‏:‏ قلت في نفسي‏:‏ والله ما عندهم بعد هذا خَيْر‏.‏

قال‏:‏ فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ ولّى رجل منهم مِمَّنْ معهم فقال‏:‏ وَيحك أما بينك وبين أحد من قُرَيش جوار ولا عَهْد قال‏:‏ قلت‏:‏ بلى والله لقد كنت أجيرًا لمجبير بن مطعِم بتجارته وأمنعه ممن أراد ظلمه ببلادي وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس‏.‏

قال‏:‏ ويحك فاهتف باسم الرجلين فاذكر ما بينك وبينهما‏.‏

قال‏:‏ فعلت وخرجِ ذلك الرجلُ إليهما فوجَدهما في المسجد عند الكعبة فقال لهما‏:‏ إن رجلًا من الخَزْرج الآن يُضْرَب بالأبطَح وأنه لَيَهْتِف بكما يذكر أن بينه وبينكما جوارًا‏.‏

قالا‏:‏ ومَنْ هو قال‏:‏ سعد بن عُبادة‏.‏

قالا‏:‏ صدق والله إن كان ليجير تِجَارتنا ويمنع أن يُكْلِمُونا ببلده‏.‏

فجاءا فخلصا سعدًا من أيديهم فانطلق‏.‏

وكان الذي لَكَمَ سعدًا‏:‏ سُهَيلُ بن عمرو فلما قدم أهل العقبة المدينة أظهروا الإسلام بها وبقي أشياخ على شركهم منهم‏:‏ عمرو بن الجَمُوح وكان ابنه مُعاذٌ قد آمن وَشَهِدَ العقبة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالخروج إلى المدينة فخرجوا إرسالًا فكان أول مَنْ هاجر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش‏:‏ أبو سلمة كان هاجر إلى المدينة قبل بيعة العقبة بسنة وكان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أرض الحبشة فلما آذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار خرج إلى المدينة مهاجرًا‏.‏

 أول من قدم المدينة من المهاجرين

بعد أبي سلمة عامر بن ربيعة معه امرأتُه ليلى بنت أبي حَثْمة ثم عبد الله بن جحش ثم تتابعت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إرسالًا وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا أخذ وحُبس أو فُتن إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر وكان أبو بكر كثيرًا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبًا ‏"‏ فيطمع أبو بكر أن يكون هو فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له منعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم وعرفوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم عرفوا أنهم قد نزلوا دارًا وأصابوا منعةً فحددوا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وعرفوا أنه قد أجمع أن يلحق بهم فاجتمعوا في دار الندوة يتشاورون في أمره صلى الله عليه وسلم‏.‏